كنت نائماً في ليلةٍ من ليالي الشتاء الباردة من بعد نصب وتعب من مشاغل الدنيا وما أكثرها.
وقد استلقيت على فراشي،وغرقت في نوم عميق جداً، فإستيقظت قبيل الفجر من عطش شديد ألم بي،فقمت لأشرب الماء فسمعت أنيناً يخرج من الأرض، تلفت حولي فذهب الأنين؟، ثم ذهبت وشربت الماء فعدت إلى الفراش، واذا بالأنين يعود مرةً أخرى، وفي هذه المرة كان الأنين قوياً وكانه صوت بكاء، فتحسست الأرض بيدي،حتى أمسكت (( سجادتي )) فسكت
قلت مستغرباً: أأنت التي تأنين يا سجادتي؟!
قالت: نعم.
قلت: ولماذا؟!
قالت:لقد أيقظك عطشك وشربت من الماء حتى ارتويت، وانا بحاجة إلى الماء ولا أجد من يرويني الماء!!
قلت وهل تريدين أن احضر لك كأساً من الماء!!!
قالت: لا ليس هذا الماء الذي يرويني، انما يرويني دموع العابدين التائبين.
قلت: ومن أين لي أن آتي لك بهذا النوع من الماء؟
قالت:وهذا هو سبب بكائي
فقم يا عبدالله وصل لله ركعتين في ظلمة الليل، حتى تنير لك ظلمة القبر، والجزاء من جنس العمل ولم يبق من الوقت إلا القليل وبعدها يؤذن المؤذن لصلاة الفجر
.
قلت:دعيني وشأني يا سجادتي.
قالت: يا عبدالله قم لصلاة الفجر، فإنها حياة للقلب والروح،وقد حان موعد الأذان ليردد :
((الصلاة خيرٌ من النوم,الصلاة خيرٌ من النوم)) وانت تستجيب لنداء الدنيا كل يوم في الليل والنهار ولا تستجيب لنداء العزيز القهار؟!!
قلت متضايقاً:دعيني أنام يا سجادتي...فأنتِ تشاهديني كل يوم ،لا أعود إلى المنزل إلا وأنا مرهق متعب
ثم أخذ اللحاف وضعه على صدره فشعر بالدفء واستسلم لسطان النوم.
قالت السجادة: يا عبدالله. وهل تعطي للدنيا اكثر مما تعطيه لدينك؟
قلت بلهجة تهكميه:اسكتي يا سجادتي...ارجوكِ لا تتكلمي.فإن متعب ومرهق..أريد أن انام.
فسكت السجادة برهة متأثرة بما قال عبدالله وقالت بصوت حزين : آه لرجال الفجر...آه لرجال الفجر.
ألم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم(( لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها- يعني الفجر والعصر))
وقال عليه الصلاة والسلام (( من صلى البردين دخل الجنه))
وقال عليه الصلاة والسلام(( بشّروا المشّائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة))
وقال عليه الصلاة والسلام((ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجروالعشاء ولو يعملوا ما فيهما لأتوهما ولو حبوا))
فانتبه عبدالله من غفلته وقال:فعلاً إن صلاة الفجر مهمة.
السجادة: قم ياعبدالله قم.
قال: غداً أبدأ ان شاء الله...ولكن اتركيني اليوم لأنام فإني مرهق.
السجادة:وهي متحسرة(من لم يعرف ثواب الأعمال ثقلت عليه في جميع الأحوال))
ثم قالت:ستنام غداً في قبرك كثيراً يا عبدالله، وستذكر كلامي ونصحي.
ثم تركته السجادة ،ونام عبدالله،ولكن! كانت أطول نومة ٍ ينامها في حياته،
فقد قبض من تلك الساعة.
فأنشدت السجادة حين علمت بوفاته قائلة:
يا من يعد غدا لتوبته
أعلى يقين من بلوغ غدِ؟
المرء في عيشه على أملٍ
ومنيةُ الإنسان بالرصدِ
أيام عمرك كلها عدُ
ولعل يومك آخر العد